هذا ما بدأت به فالانسي رحلتها المثيرة لتغيير نفسها، وحالتها التي يُرثى لها، والتي اكتسبتها جراء الخضوع التام والمثير للشفقة لأمٍّ نستطيع في عصرنا الحالي إطلاق لقب "نرجسية" عليها دون الشعور بالذنب.
رُبِّيت فالانسي في بيتٍ متواضع، على يد أم تُدعى "أميليا" وابنة عمها "سلينكز"، بدون أب، ولم نَدْرِ طوال القصة سبب اختفاء الأب، سوى الإشارة إلى تقلُّبه في قبره لو رأى ما الذي فعلته فالانسي عندما ثارت على أوضاعها.
لكن الذي جال في خاطري هو: كيف اعتبرتها عائلتها مجنونة عند المطالبة بأبسط الحقوق التي نتمرغ فيها حاليًّا، والتي نحياها ونستمتع بها دون حتى المطالبة بها؟!
كانت الفتاة تُدعى "مجنونة" لأنها أرادت العمل، وكانوا على مشارف سجنها - ربما في بيتٍ معزول - لأنها ردّت الإهانة التي تُوجَّه لها أثناء الاجتماعات العائلية!!
يا إلهي، لو كنت هناك وقتها، لكنتُ سُجِنتُ بتهمة الجنون والهرطقة منذ أول جلسة لي وسط هذه العائلة المختلّة.
أيضًا، جاء إلى بالي هؤلاء الفتيات اللواتي يسخرن من الحركة النسوية، ومن اللواتي يُطالبن بحقوق النساء. تذكّرتُ فيلم "Changeling" بطولة
Angelina Jolie، الأم التي رفضت قبول طفلٍ ليس ابنها الضائع، فسُجِنت بتهمة الجنون!!
اعتقدتُ أثناء قراءتي لهذا الكتاب أن على هؤلاء الفتيات معرفة هذه النقطة البسيطة: أنه بدون هذه الحركة التي يسخرون منها، وبدون حقوق المرأة التي يستهزئون بها، ما كانوا سيقدرون حتى على قول هذه الكلمات!
أشعر بالسوء تجاه هؤلاء الفتيات الحمقاوات، كالتي حاولت رفع حذاء أحدهم عن رقبة صديقتها، فصرخت صديقتها: "اتركيه، فأنا أحب ملمس حذائه!!"
عودةً إلى فالانسي؛ بالنسبة لي، ليست الفتاة التي تستحق أن نقرأ عنها أو نقتدي بها، وقد كتبت لها معبّرة عن رأيي هذا فيها.
عزيزتي فالانسي؛
نحن لا نهرب من عبودية الأسرة إلى الزواج.
ففي العالم الواقعي - وليس عالم الروايات - الهرب من العائلة إلى الزواج، كأن تهربي من سجنٍ بجنينة، إلى سجنٍ بغرفةٍ واحدة!
لا فرق بين هذا وذاك، سوى المساحة الواسعة القليلة التي كانت العائلة تُقدّمها لك.
كما أننا، يا عزيزتي، لا ننظر إلى الرجال على أنهم أبطال خارقون جاءوا ليحققوا لنا آمالنا وأحلامنا، التي تراكم عليها التراب، ونسج فيها العنكبوت بيته.
وإننا لا نتزوج من رجل لا نعرفه، ولا نعرف من أين جاء، ولا ما هو ماضيه..! والأدهى: أنه يُقال عليه "مجرم"، "قاتل"، و"مختلس"، وربما يكون متزوجًا بالفعل!
أنا فخورة بكِ، يا عزيزتي، على اختياراتكِ الرائعة 🙂.
سوف أتحدث معكِ بصدق، صدق أختٍ كبيرة قادمة إليكِ من المستقبل والواقع المظلم:
حياتكِ، التي طالما عانيتِ منها بسبب أهلك، كان سببها الحقيقي هو "أنتِ".
وذلك لأنكِ من قبِلتِ العيش كامتدادٍ لأمكِ النرجسية - ربما لا تعلمين هذا المصطلح في ذلك الوقت - لكن الشخص النرجسي هو الأسوأ بعد الشيطان.
لذلك، حبيبتي، أنتِ فقط كنتِ تُطيعين الشيطان أو تلميذته النجيبة.
وأنتِ من قبِلتِ سخرية العم منكِ خوفًا من ألا يُكتب اسمكِ في وصيته.
كما أنكِ من ملأتِ قلبكِ بالحقد والحسد تجاه "أليف"، ابنة عمكِ، لأنها كانت أجمل منكِ وأوفر حظًّا.
أنتِ من قبِلتِ التهميش، السكوت، والخنوع التام لكل من حولك.
لكن، أتدرين ماذا؟
أنا حقًّا أشفِق عليكِ؛ فكيف لكِ أن تتعلمي أن تُحبي نفسكِ بكلّ ما فيها إذا لم يُحبّكِ أحد، أو يُعلّمكِ أحد ذلك؟
كيف يمكنكِ أن تقولي رأيكِ بصدق دون خوف، لو لم يُسمِعْكِ أحد أو يُعلّمكِ كيف تكوني صاحبة نظرةٍ خاصة؟
أتساءل: لو أن أباكِ كان على قيد الحياة، هل كانت ستختلف تربيتكِ ونشأتكِ؟ هل كنتِ لتصبحي أفضل أم أسوأ؟
كما أن الطريقة الوحيدة التي توصّلتِ لها لتُخلّصي نفسكِ - كانت الأسوأ - كانت الزواج برجلٍ لا تعلمين عنه شيئًا، سوى اسمه، الذي حتى هو لم يكن حقيقيًّا!!
لماذا؟
لتحقيق حلمكِ في كومةٍ صغيرة خاصة بكِ.. لتكون عندكِ قلعتكِ الزرقاء.
أتدرين ما الفرق بينكِ وبين السيد "بيسواس"..؟
السيد بيسواس حارب طوال حياته، بشرف، وبجهد، وربما ببعض الحظ، ليحظى ببيته الخاص.. وقد حصل عليه.
عزيزتي فالانسي،
أنا لستُ من معجبيكِ، وأعتقد أن هذا بات واضحًا وجليًّا للأعمى.
لكنني - ومع هذا - سعيدة أنكِ حققتِ حلمكِ، ووصلتِ إلى قلعتكِ الزرقاء، وفارس أحلامكِ، وأيامكِ التي طالما حلمتِ بها.
وأتمنى ألا تأتي إلى الواقع، حيث تقاتل النساء بشرف وجهد لتحقيق أحلامهن - التي ربما تكون بسيطة، بساطة امتلاك كوخ، وليس قلعة - لكنهن في النهاية يُحاربن، لا ينتظرن الفارس الوسيم اللامع على فرسٍ أبيض!
في واقعنا، يا عزيزتي..
نحن نحارب النظام الأبوي الذي يسمح بقتلنا بدافع "الشرف"، حتى لو لم يمسّ أحد شرفنا، في مجتمعٍ نُقتَل فيه إذا رفضت الفتاة، وقالت فقط: "لا"!
في منظماتٍ تُبخِس الفتيات رواتبهن وحقوقهن، بأكثر من 40٪ ممّا يستحقن.
في الواقع، يا عزيزتي، نحن فرسان أنفسنا، ومحاربو أعدائنا؛ أوطاننا، عائلاتنا، منظماتنا، ودولٌ تسعى لخفض أصواتنا ما دمنا أحياء.
لهذا، لا تأتي إلى الواقع، لو كنتِ تبحثين عن "باربي"، زوجكِ الوسيم الذي سوف يأخذكِ حول العالم، من إيطاليا إلى فرنسا، ولترَي "قصر الحمراء" في إسبانيا، ثم أخيرًا لتُلقي نظرة على فراعنة مصر.
استمرّي في العيش في كوخكِ، بجزيرةٍ منفصلة في كندا، وسط أحلامكِ الوردية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق