الخميس
2-1-2023
كيف
انقضى الأمس وماذا حدث؟
ذهبنا
بالأمس إلى مستشفى جامعة مصر، من الساعة السادسة والنصف صباحا كنا في الشارع لنصل
إلى هناك في تمام السابعة ونصف.
أخبرونا
أن علينا الانتظار حتى الساعة التاسعة لحين قدوم الأطباء وقد كان.
ولكن
ما أفجعني هو طلبهم منا الانتظار في الخارج، في هذا الصقيع والريح العاتية.
طلبت
من موظف الدخول إلى الحمام، وعندما دخلت تأكدت من عدم وجود كاميرات ثم نظفت الحمام
قبل أن استخدمه، وبعد خروجي سألته:
لما لا
يمكننا الانتظار في الداخل، فالجو في الخارج يزداد بروده، فأخبرني أنها استراحة
موظفين.
فجاء
إلى بالي تساؤل، أليس الناس المنتظرين في الخارج – والذي من المفترض أنهم مرضى –
بشر؟... أم أنهم حجارة!
انتظرنا
حتى الساعة الثامنة ونصف، عندما نادى الموظف على الأسماء، فدخلنا وانتظرنا حتى جاء
دورنا في الدخول. كانت المسؤولة عن حالتي طبيبة صغيرة اسمها "عاليه"
تعاملت معي بآلية شديدة وكانت متفاجأة من أني طالبة في الفرقة الرابعة بكلية آداب
جامعة القاهرة.
الطب
مهنة ككل المهن في النهاية يصير الأطباء آلات.
ما لفت
نظري حقا من بداية اليوم هو آخر ملمح من ملامح الآدمية.
دكتور
طارق!
كانت
الطبيبة قد انتهت من فحصي الذي لم يستمر أكثر من عشر دقائق تخللها حديثها مع
زميلتها الذي استمر أكثر من عشر دقائق، ثم أرسلتني إلى دكتور طارق.
وكان
أول ما فعل هو أن عرفني بنفسه قائلا: صباح الخير... أنا دكتور طارق، طبيب بشري،
أزيك يا انسه أية عامله إيه؟
قد يُعتبر
هذا السؤال بديهيا للغاية وعادي، لكن في هذه اللحظة كان أكثر تعبيرا عن الإنسانية،
عندها ابتسمت له ونظرت له بكل امتنان، وفي داخلي صدى صوت من بعيد يردد "مازال
هناك بشر".
بعد أن
ابتسمت برضا وشكر أجبت على سؤاله أني بخير والحمد الله، لكن لم يمهلني الموقف وقت
لأساله عن حاله هو الآخر، ولو كان هناك ما أندم عليه بالأمس فسيكون أنى لم أسأله
"وأنت كيف حالك يا دكتور؟"
سألني
الأسئلة المعتادة عن الضغط والسكر وأي أمراض مزمنة، وكانت إجابتي بالنفي الحمد
لله.
عندما
خرجت من المشفى كان لدى قرار وشعور.
قرار
أنى لن أستكمل العلاج هنا.
وشعور
بالامتنان لهذا الطبيب الذي لم يستمر الكلام معه أكثر من ثلاث دقائق، لكنها كانت
كافية لتثبت لي أنه ما زال هناك آدميون على هذا الكوكب.
وإن
الآلات لم تسيطر علينا كليا.
لا
أعلم أن كنت سأقابل هذا الطبيب مرة أخرى. لكني أعلم أني سأشكر كل طبيب يسألني عن
حالي في المستقبل.
فهذا
الطبيب لم يجعلني أؤمن فقط – بسؤاله عن حال- أنه ما زال هنالك بشر على هذا الكوكب،
بل إنه مازال هناك بشر جيدون!
تذكرت
الآن عندما كنت في الفرقة الثانية في الجامعة بعد أحد امتحانات التيرم الأول، كنت
وقتذاك في الملاعب (مكان للامتحانات خارج الجامعة) وفي طريقي لدخول الجامعة مرة
أخرى، فأوقفني مسؤول الأمن للتأكد من هويتي، وبشكل آلي أخرجت له كارنية الجامعة
وفتحت الحقيبة لتفتيشها.
فإذا
به يخبرني: أتفضلي يا أية... مالك زعلانة ليه؟
فنظرت
له باستغراب!
فقال
لي: مالك مستغربة ليه علشان عرفت اسمك... وحرك يده ببطاقة هويتي، في إشارة أنه من
الطبيعي أن يعرف اسمي من الكارنيه.
ربما
كان هذا طبيعيا فعلاً، لكن بالنسبة لي لم يكن!
وقتها
كنت أنظر إليه وقد اغرورقت الدموع في عيني المملوءة بالشكر، فقد كانت هذه المرة
الأولى التي يناديني أحد بأسمى في الجامعة.
فأفراد
الأمن والعاملين في الجامعة لا يعرفونه وليسوا مهتمين أن يعرفوا اسمي، فكان نداؤهم
لي ولكل الطالبات (يا انسه – يا أستاذة).
أما عن
أساتذة الجامعة... فالحمد لله أن أحدا منهم لم يعرف اسمي، فهم ليسوا الأقوام الذي
يتمنى الطالب منا أن يعرف أحد منهم اسمه.
وأما
عن الزملاء فلا كنت – وقتها – زميلة لأحد ولا أحد كان زميلي.
كدت
أنسي هويتي واسمي في هذه الجامعة، كدت أنسي من أكون لولا فرد الأمن هذا، البالغ من
العمر مبلغ والدي، فكنت على وشك العودة له وشكره لأنه لفظ اسمي.
فرد
الأمن... والطبيب.
ربما
ما زال هناك آدميون على على هذا الكوكب، لكني لا أعلم متى تسيطر الآلات عليهم...
علينا جميعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق