أخبرني أخي منذ قليل على طاولة العشاء بكل ثقتِه المعهودة – التي لا أجد لها أساسا ولا أعلم مصدرها الحقيقي – أن السبب وراء كل الفساد الذي نمر بيه الآن من خراب، وعمليات قتل من الشباب تجاه الفتيات، والتحرش والاعتداء، إلى جانب التميز العنصري تجاه الفتيات ناتج من الاختلاط في الجامعات.
والحقيقة أنى كنت مدهوشة من أخي، الرجل المتعلم خريج الثانوية والذي سيصبح قريبا طالبا جامعياً لديه هذا التفكير، الذي أقل ما يمكن أن أصفه هو "عقيما".
ثم تابع قوله ب "هناك كليات للبنات... ما تدخليها، إنما كلية مختلطة ليه؟
عندها جاء على بالي الكليات المخصصة للفتيات فقط، ما هي؟ ما المجالات المفتوحة أمامهن؟ ما هو عددهم؟
ثم وجدت أنها قليلة جدا، محدودة جدا، لا تُلبى حاجة أو طموح معظم الفتيات ولا تكفي عدد الفتيات المتقدمات للجامعات، وجاء على بالي الكثير من الأسئلة حينها.
الحقيقة أنه في بداية المناداة بحق الفتيات في التعليم وضرورة تعليم النساء طُرحت الكثير من الأسئلة التي كانت مقبولة آنذاك.
مثل: وما الضرورة من تعليم الفتاة؟ وهل تتساوى الفتاة ناقصه"العقل والدين " مع الرجل في العلم؟ وهل من حقها أساسا الحصول على التعليم؟ وما الفائدة من تعليم البنت ما دام آخرتها تقعد في البيت وتربي العيال؟
الكثير من الأسباب التي جعلت أعداد الفتيات المتقدمة للتعليم آنذاك محدودة جدا.
أما الآن "لا" قد أختلف الوضع عن السابق، الآن التعليم هو أولى حقوق الفتاة، كما أن أعداد الفتيات المتقدمات للجامعات والراغبات في العلم صار في نفس عدد الفتيان بل ربما أكثر في بعض المجالات.
وعندها قطعت أمى حبل أفكاري بحكايتها عن جدتي – أمها - فقالت:
كانت أمي تريد أن تتعلم لكن آباها زعق فيها قائلا: " أتريدين الذهاب للعَلاَم علشان تتلزقى في الشباب؟ " فكانت جدتي تجلس على باب البيت لتشاهد التلاميذ عائدين من المدارس، وتبكي.
فقال أخي متظاهرا بالتضامن: يعيينيي!
شعرت حينها بالحزن حقا على جدتي، ليس فقط عليها، بل على كل الفتيات التي أعرف قصصهن، القريبين جدا منى والذين حُرموا التعليم لنفس الأسباب الواهية.
تذكرت جارتنا التي حكت أن آباها منعها من الالتحاق بالقسم العلمي في مرحلة الثانوية لأن المدرسة التي كانت ستذهب لها تحتاج إلى ركوب مواصلات.
جاء في بالي حكايات البنات الصغيرات صاحبات الضفائر في القرى البعيدة وآمالهن في الحصول على العلم، الفتيات المراهقات صاحبات الطموح الذين يأملن فقط في الحصول على فرصه لاستكمال تعليمهن.
لكن أحلامهن تلك تُدفن ببساطة لأن إخوانهم يدعون حمايتهِن، أو لتفكيرهم في عدم أهمية دراستهِن، أو عن اعتقادهم في عدم استحقاق البنت للتعليم، وأخيرا لحماية الرجل من فتنة وخطر الفتاة، ويكأن الرجل هذا طفل بمريول.
الأمر أني لا أمانع ألا يكون هناك اختلاط، الأمر أن هذا في عصرنا الحالي في عام 2022 الوقت الذي أكتب فيه هذا المقال، عدم الاختلاط هو من المستحيل!
إن كنت لا تريد الاختلاط بالنساء فسيتوجب عليك التوقف عن الذهاب للعمل، الاكتفاء بمرحلة الابتدائية في التعليم، عدم ركوب مواصلات عامة حتى لا تجد فتيات في الطريق، في الحقيقة كل ما سيُسمح لك بفعله هو المكوث في البيت وتربية الأطفال والدجاج.
ولأنكَ رجل... في مجتمع شرقي عريق، لن تفعل هذا بالتأكيد، لكنك ستطلب من الفتاة فعله! - _-
أتعلم أين المشكلة حقا؟
المشكلة الحقيقة هي: إننا لا نريد مواجه السبب الحقيقي للمشكلة، ففضلنا اختراع أسباب أخرى نستطيع من خلالها لوم المجهول أو الضعيف!
إذا أليس سبب القتل هو اعتقاد القاتل أنه يحق له قتل من ترفضه؟
أليس سبب التحرش افتراض أن الجاني هو المجني عليه وان الضحية هي من أغوته ليتحرش بها؟
أليس سبب الاعتداء ضمان المعتدى العفو عن عقوبَته والدفاع عنهُ وتبرير جريمتُه؟
أليس سبب المشكلة هو مَن أفتعل المشكلة؟
الإجابة هنا في مجتمعنا الآن: لا!
يصعب على المجتمع- المجتمع المُعتَل – الاعتراف بجريمة القاتل، وفجر المتحرش، ووحشية المعتدى.
مجتمع- أو لأكون منصفه_الشريحة العطنة من المجتمع ، ترفض "لا" وتبرر التحرش، وتسمى الاعتداء حقاً فطرياً للرجل، وتسلب المرأة حقها في الرفض.
لذلك لن أدهش عندما أجد من يبرر القتل ويسمى المقتول بالقاتل.
إذا هل أنا أبرر الاختلاط هنا؟
الإجابة بالتأكيد : لا
لكن أنا أؤمن حقا بقاعدة استخدمها دائما على طول درب حياتي أنه "إذا كان لا بد من أن نفعل شيئا خطاء ، فلنفعله بأكثر شكل صحيح"
الحياة تستوجب علينا التعلم، العمل، النزول من البيت والاختلاط، لأننا بشر ولأن لنا الحق لنحي، لنعمل، لنرى ولنعيش ونُجرب .
وذلك لأن الحياة – بكل أشكالها – ليست حكرا على جنس دون الأخر، ولا حرامٌ على جنس وحلالٌ لآخر.
وهنا سأسمح لنفسي تذكر قول رسول الله صل الله عليه وسلم:
" لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " متفق عليه. الفتوى رقم 35324 .
والمسجد وقتها كان الجامع والجامعة، فبأي حق نطلب من النساء اليوم الاكتفاء بالقليل من العلم – إن وُجِد من الأساس – والقليل من العمل والقليل من الحياة ومنعها أشكال الاختيار، والاكتفاء بالمكوث في البيت وتحديد حياتها باسم الدين.
قد كانت النساء تقاتل في عصر الرسول صل الله عليه وسلم، ولم يمنعها من العلم والتعليم أو العمل.
ألم تعلم أن صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صل الله عليه وسلم أول امرأة تقتل مشركا في الإسلام، أم لم تعلم أنها شاركت في "أُحدٍ"، و أن هذه المرأة هي التي أنشأت للمسلمين أول فارس سل سيف في سبيل الله؟
إذ كنت لا تعلم صفية بنت عبد المطلب فبتأكيد تعلم الغُميصاء بنت مِلحَانَ المكناة بأم سُلَيم والتي شهدت أُحد وحُنين، وماذا عن أسماء بنت أبي بكر.
وهنا سأنصح اصحاب وجة النظر تلك بقراءة كتاب " صورة من حياة الصحابيات " لدكتور عبدالرحمن رأفت الباشا .
الإسلام كان أساسا لكل علوم الحياة، بداية من علوم الطبيعة، والفلسفة والفقه والدين، وعلم الاجتماع.
وقد تغير العالم وتغيرت نسك الحياة وشكلها كثيرا عن ربعمئة عام من الآن، ديننا – دين الإسلام – ليس بعيدا وقصياً عن علم الاجتماع الآن، لأنه قد رتب قل ربعمئه عام من الآن للناس حياتهم ووضع قواعد البيع والشراء والحرب والسلم والعلم فلم يترك شيئا واحدا في المعاملة والحياة لم يخبرنا ويعلمنا كيف نفعله على النهج الصحيح.
وإن كان علمي في الدين محدودا، فإني مازلت أعتقد أن ديننا ليس جامدا، صلبا، بعيدا عن واقعنا، أو أنه مخصص لعصر محدد أو مجتمع واحد في زمن قصى ، بل إنه جاء جامع شامل لكل العصور والناس بكل الأوقات والمجتمعات ويتماشى مع كامل الشعوب بكل صفاتها وهيئاتها وخصائص سكانها.
أي أنه لم يأت فقط ليكون مناسبا لعصر النبي صل الله عليه وسلم، ديننا دينا مرن ومتفهما وشاملا.
بل إن القصور ناتج- حقيقاً- من تفسيرنا نحن للدين، ذلك التفسير الذي يتميز بالقصور والجمود والأخذ بالقشور دون محاولة فهم المعنى العميق للدين.
- بالتأكيد هناك خطاء - والخطأ ليس في الدين بل هو منا.
إن ديننا – دين الإسلام – هو الأسرع انتشاراً، ليس فقط لأنه الأسهل في الفهم والأعمق في المعنى والأوسع في المغفرة ولكن لأنه الأكثر في المرونة والداعي للتفكر والتعقل.
لذلك فإن ديننا كان ليراعي فرق السنين والمجتمع وتعقيد الحياة ولهذا أنا مع ، إن فرضت علينا الحياة والمجتمع وسمات العصر الاختلاط بين الرجال النساء فيجب إذا مراعاة قواعد ومبادئ شريعتنا وأن يكون هذا دون خلوة أو خلل في السلوك، ولكن أيضا مع عدم منع النساء من حقهن في الصلاة والتعليم والعمل والحياة.
أم نسيت عندما تكلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن المهور فردَّت إحدى المسلمات على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في المسجد، وحدث أن رجع عمر إلى رأيها علنًا، وقال:
" أصابت امرأة وأخطأ عمر "
إذا رداً علي كل أخ عزيز :
إن الحياة حاليا معقدة أكثر تعقيدا بكثير عن تلك العهود الغابرة القديمة التي طالما كانت حقوق المرأة فيها مهدورة ، ونحن إسلامنا دينٌ مرن، دينُ الحق، دعانا للتفكير والعلم، فما كان رسول الله صل عليه وسلم ليمنع المرأة من الخروج للمسجد وقد كان الجامع جامعة العصر آن ذاك ولكن كان ليدعوها أن تتمسك وتظل على قواعد شريعتنا فقد قال:
اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ ـ أي السير وسطه ـ عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ. فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. رواه أبو داود، وحسنه الألباني.
وكان يأمر شباب بغض البصر، وذلك لأن اليوم يوجد غير المسلمات الذين لا نستطيع أبدا إجبارهن على ارتداء ما شرع الله لنا، ومع وجود المسلمات غير الملتزمات باللباس الشرعي المفروض فقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم:
( إياكم والجلوسَ في الطرقاتِ . فقالوا : ما لنا بدٌ ، إنما هي مجالسُنا نتحدثُ فيها . قال : فإذا أبيتم إلا المجالسَ ، فأعطوا الطريقَ حقَّها . قالوا: وما حقُّ الطريقِ؟ قال: غضُّ البصرِ ، وكفُّ الأذى ، وردُّ السلامِ ، وأمرٌ بالمعروفِ ، ونهيٌ عن المنكرِ)
رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 2465، صحيح.
كما قال الرسول صل عليه وسلم أيضا :
اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيدكم ( أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
وقد قال الله تعالى:
﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾
[ النور: 30]
وحتى لا أكون مغالية على الرجال، فقد وجب عليَ استكمال الآيات ، فقد قال الله تعالى:
"وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ "
[ النور: 31]
إذا لم يطلب الله من الرجال فقط غض أبصارهم بل طلب من النساء أيضا عدم إظهار زينتهن.
وهنا بالتأكيد يا أخي سترد علي الحجة بالحجة، وتخبرني أن في كلامي جاء ردك وان فتياتُنا – فتيات اليو م – لا يتبعن هذه الآية.
لهذا سأسألك أَستُحَاسَبُ عن تبرج النساء أم عن غض البصر؟
أمر الله النساء بعدم التبرج كما أمر الرجال بغض البصر، لكن هل عليك مُحاسب النساء أم مُحاسبة نفسك؟
ألا يجب عليك جهاد نفسك أولا والغض من بصرك؟
ألا تريد منع الاختلاط والفتن، إذا لما لا تبدأ بنفسك وتعف نفسك بعدم مخالطة زميلاتك في المدرسة والدروس، لما لا تبدأ بنفسك وتغض بصرك وتمتنع عن الخضوع في القول مع النساء الأجنبيات؟
بالتأكيد ... أنت على حق هذا صعب جدا بل مستحيل مع كم المغريات والفتن التي تحيطك، لكن أليست هذه دار جهاد؟
أو ليس الأولى والأهم هو جهاد النفس!
اعلم... اعلم!
إن ما اطلبه منك صعبا للغاية، إذا لما لا أقترح عليك حلا أفضل، ما دمت لا تمانع حقاً تعليم الفتيات ولا عملُهن، لكن اعتراضك الحقيقي على الاختلاط في مجالس العلم والعمل.
لما لا نخصص الجامعات الموجودة حاليا بكل كلياتها وماجالاتها للنساء إذا ؟ ما أريك...؟
وليكتفى الرجال بالجامعات المخصصة لهم من الأزهر أو غيره، ولتكن هذه هي جامعات وكليات الرجال حتى يُنشئ لهم أخرى.
ما رأيك بهذا الحل إذا؟
أتراه مجحفا ومقفرا هذا الحل ... أممم
بالتأكيد تسألني الآن عن غير المسلمين من الرجال، أو عن الأعداد المهولة من الفتيان الراغبين في التعلم والذين لا تتسع لهم هذه الجامعات محدودة العدد، ماذا عن باقي المجالات إذا، التي هي الآن مخصصة للنساء فقط، ماذا عن رغبة الفتيان في التخصص في هذه الاقسام ، وأيضا هل نسيت التخصصات التي يتطلبها سوق العمل والتي هي الآن حكر على النساء فقط؟!
أممم J J
إذا هل أدركت ما ستواجه الفتيات عندما تطالبهم بالالتزام "بكليات البنات" فقط، الأن هل حقا من الصواب أن تُطالب بجعل الجامعات حكرا على الرجال فقط لمنع الاختلاط، مع تناسي امر الله بغض البصر والتعفف وجهاد النفس؟
عندك حق جداً ❤️❤️❤️❤️❤️
ردحذف❤❤❤
حذف